اشتم عمو!


اشتم عمو!
     يحلو لبعض الأسر عند اجتماعها، أن تستغل أطفالها كمادة للتسـلية و اللهو! فمنهم من يُعَلم طفله فنون السب و قبيح الكلام، ثم يستنطقونه بالأمر (اشتم عمو)!... فينطلق لسان الطفل بأقذع الألفاظ، التي حفظها عن ظهر قلب، دون إدراك لمعناها!، و مع انطلاق الشتائم تنطلق الضحكات و القهقهات؛ فينظر الطفل بعفوية و استغراب إلى هؤلاء (الكبار) الذين يستحقون على فعلهم هذا اللوم و التوبيخ و التأنيب!.
     و منهم من يعتبر الطفل (قرد مسلسل) و يفخر أمام الأهل أو الأصدقاء أنه بإشارة منه يجعله ينام نوم العجوز، و يعجن عجين الفلاحة ـ في الوقت الذي عزفت فيه الفلاحة عن العجين و الخبيز و هدة الحيل، و أصبحت تشترى الخبز جاهزاً من الفرن الآلي! ـ و ينظرون باحتقار إلى الأطفال النبهاء، الذين يرفضون تنفيذ تلك الأوامر الغريبة و العجيبة، و يدافعون عن كرامتهم؛ فيصفونهم بأوصاف أقلها أنهم (مفاعيص) خارجين لتوهم من البيضة ـ لمضين... إلخ!.
     و حتى عندما يكبرون؛ ينهروهم بغلظه إذا عصوا أمراً، أو اختلفوا معهم في رأى، صائحين في وجوههم البريئة: (والله عال هل تعتقدون أنكم كبرتم؟!) (ستظلون في نظرنا أطفالاً)!، و يتناسون حقيقة أن الطفولة مجرد مرحلة من مراحل العمر، لا علاقـة لها البتة بالأراجوز أو مهرج السـيرك، فالطفولة و البراءة و الفطـرة و العفوية لم تخلق ليشوهها هؤلاء (الكبار) خلال اجتماعاتهم العائلية تلك، و التى يحولونها إلى تكوينات غير متجانسة هي على الترتيب: طفولة مشردة، براءة أحكام، فطرة غير سوية، و عفوية قبيحة.
     فمن يحاسب هؤلاء (الكبار) على أفعالهم القميئة في حق أطفالهم، و في حق المجتمع... و من يحمي تلك الطفولة من عبث هؤلاء العابثين؟
     إن عصا القانون الغليظة يجب أن تمتد إلى هؤلاء، حتى داخل حصونهم الحصينة (بيوتهم) ما داموا يمارسون جرائمهم تلك ضد الطفولة محتمين بها!.
     و إذا كانت المعركة الحضارية تتلخص في القضاء على ثالوث: (الجهل ـ الفقر ـ المرض) فإن الضلع الرابع حتى يكتمل هرم التحضر و التقدم؛ هو حماية حق الطفل ـ داخل البيت ـ في العيش الآمن الكريم، بعيداً عن عبث العابثين، المستغلين للبراءة أسوأ استغلال، في تلك الأجواء المشحونة بالفراغ و الجهل لحساب الهرج و المرج و التنكيت و الضحك!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر مقالي هذا في باب (حوار الأسبوع) بمجلة روزاليوسـف العدد {3929} بتاريخ27 /9 /2003 صفحة 60