بلطجة عائلية!


بلطجة عائلية!
     عندما يكون الجو مشحون بالتوتر و القلق؛ تتحول الكلمات إلى لكمات، و الأسرة إلى أثرة، تفرغ الزوجة جام غضبها على الأبناء، انتقاماً من أنانية الزوج و تسلطه، و يرد الأب بنفس السلاح انتقاماً من تطاول ست الدار على سي السيد، و الضحية دائماًً هم الأطفال الصغار!.
     عندما يكون الجو مشحون بالتوتر و القلق؛ نتحول إلى (قهرمان) ضد (الضعف بيبي)! في ماسوشية ديكتاتورية بغيضة؛ نشخط و ننطر و نزعق و نضرب و نعبر عن جام غضبنا بشتى الوسائل و الطرق، في ذات الوقت الذي نمنع فيه أطفالنا من التعبير عن غضبهم و لو سلبياً بالبكاء، بل نصرخ في وجوههم كالمجانين (إخرس يا ولد... إياك أن أسمع نفسك... اتكتم خالص)!
حقاً إنها بلطجة عائلية أو بالأحرى عيالية، تحتاج لقانون رادع يحمى هؤلاء الأطفال، الذين تنطق عيونهم بما لا يستطيعون التعبير عنه بالكلمات من رعب و فزع؛ فيرفعون أكتافهم الرقيقة لحماية وجوههم من بطش قساة القلوب، الذين يحاولون قسراً انتزاع شخصياتهم و تفردهم بكل عنف وقهر، ويطلقون على العملية المشبوهة من باب التمسح فب الدين ـ و الدين منهم براء ـ (الطاعة العمياء مقابل الإنفاق) يتعاملون مع الأطفال كما يتعاملون مع الجزار و بائع لحم الرأس و الفشة و الممبار!.
     من يحمي هؤلاء الأطفال من قسوتنا التي تقتل فيهم مزية التفرد و تجعلهم تابعين لنا بلا شخصية و كأنهم أشباح نمطية؟! لقد استملحنا انقيادهم لنا، و ارتباطهم بنا ارتباطاً مَرَضياً ـ بفتح الميم والراء ـ انقياداً و ارتباطاً يوقف نمو الشخصية المستقلة، حتى أضحى الطفل عندما يكبر و يصير (شحطاًً) لا يستطيع قضاء أمر من أمور حياته إلا بحضور بابا وماما؛ فالكلمة كلمتهم و الشورى شورتهم!.
     أما عندما يكون الجو مشحون بالحب و الود و الحنان؛ فتشرق شمس الأمل على جيل من فلذات الأكباد، هم بعض الحاضر و كل المستقبل، جيل قادر على مواجهة التحديات بفكر جديد و عزم أكيد.
     عندما يكون الجو مشحون بالحب و الود و الحنان؛ تتوارى عبارات الصفقات المشبوهة خجلاً، و تختفى معاني الخنوع و الخضوع و الإذلال، و تحل محلها معاني الابتكار و الإبداع و التفرد و الأمل و حب الحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشر مقالي هذا في باب (حوار الأسبوع) بمجلة روزاليوسف بتاريخ 6/9/2003 صفحة 63